کد مطلب:323847 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:238

الاسلام و تعدد الزوجات
ان الاسلام لم یمنع الاكتفاء بزوجة واحدة بل استحسنه و حض علیه، و لم یوجب تعدد الزوجات بل أنكره و حذر منه، و لكنه «شرع لأزواج یعیشون علی الأرض و لم یشرع لأرواح تعیش فی السماء، و لا مناص فی كل تشریع من النظر الی جمیع العوارض و التقدیر لجمیع الاحتمالات، و فی هذه الاحتمالات و لا ریب ما یجعل اباحة التعدد خیرا و أسلم من تحریمه بغیر تفرقة بین ظروف المجتمع المختلفة أو بین الظروف المختلفة التی یدفع الیها الأزواج» [1] .

یقول المفكر الاسلامی الكبیر عباس محمود العقاد ما یصلح للرد علی المخدوعین بدعایة البهائیة حول «المساواة بین الرجال و النساء» دون أن یعرفوا حقیقتها؛: «و ینبغی أن تنبه الی و هم غالب بین الجهلاء و المتعجلین من المثقفین عن سنن الاسلام فی تعدد الأزواج قبل الاسلام.. اذ الغالب علی أوهامهم ان الاسلام هو الدین الوحید الذی أباح تعدد الزوجات أو أنه أول دین اباحه بعد الموسویة و المسیحیة.

و لیس هذا بصحیح كما یبدو من مراجعة یسیرة لأحكام الزواج فی الشرائع القدیمة، و فی شرائع أهل الكتاب، فلا حجر علی تعدد الزوجات فی شریعة قدیمة سبقت قبل التوراة، و الانجیل. و لا حجر علی تعدد الزوجات فی التوراة و الانجیل بل هو مباح مأثور عن الأنبیاء أنفسهم من عهد ابراهیم الخلیل الی عهد المیلاد، و لم یرد فی الأناجیل نص واحد یحرم ما أباحه العهد القدیم للآباء و الأنبیاء و لمن دونهم من الخاصة و العامة و ما ورد فی الأناجیل یشیر الی الاباحة فی جمیع الحالات و الاستثناء فی حالة واحدة. و هی حالة الأسقف حین لا یطیق الرهبانیة فیقنع بزوجة واحدة اكتفاء بأهون الشرور. و قد استحسن القدیس أو غسطین أن یتخذ
الرجل سریة مع زوجته اذا عقمت هذه و ثبت علیها العقم، و حرم مثل ذلك علی الزوجة اذا ثبت عقم زوجها لأن الأسرة لا یكون لها سیدان [2] و اعترفت الكنیسة بأبناء شرعیین للعاهل شرلمان من عدة زوجات، و قال و ستر مارك Westermark العالم الثقة فی تاریخ الزواج ان تعدد الزوجات باعتراف الكنیسة بقی الی القرن السابع عشر و كان یتكرر كثیرا فی الحالات التی لا تحصیها الكنیسة و الدولة، و عرض جروتیوس Grotius العالم القانونی المشهور لهذا الموضوع فی بحث من بحوثه الفقهیة فاستصوب شریعة الآباء العبرانیین و الأنبیاء فی العهد القدیم. «فالاسلام لم یأت ببدعة فیما أباح من تعدد الزوجات و انما الجدید الذی أتی به أنه أصلح ما أفسدته الفوضی من هذه الاباحة المطلقة من كل قید، و انه حسب حساب الضرورات التی لا یغفل عنها الشارع الحكیم، فلم یحرم أمرا قد تدعو الیه الضرورة الحازبة و یجوز أن تكون اباحته خیرا من تحریمه فی بعض ظروف الأسرة أو بعض الظروف الاجتماعیة العامة.

اما أن هذه الظروف قد تضطر أناسا الی الزواج بأكثر من واحدة فالأمر فیها موكول الی الذین یعانون تلك الضرورات من الرجال و النساء، و من تلك الضرورات أن یحتفظ الرجل بزوجته عقیما أو مریضة لا یرید فراقها و لا ترید فراقه، و منها أن یتكاثر عدد النساء علی عدد الرجال فی كثیر من الأوقات، فاذا رضیت المرأة فی هذه الأحوال أن تتزوج من ذی حلیلة فذلك أكرم لها من الرضا بعلاقة الخلیلة التی لا حقوق لها علی زوجها و اكرم لها كثیرا من الرضا بابتذال الفاقة أو بذل النفس فی سوق الرذیلة.

و من حسنات التشریع فی جمیع هذه الضرورات ان یحسب حسابها و لا ینسی الحیطة لا تقاء ما یتقی من اضرارها و من سوء التصرف فیها.. و كذلك صنع الاسلام بعد اباحة تعدد الزوجات للضرورة القصوی، فانه اشترط فهی العدل و نبه الرجال الی صعوبة العدل بین النساء مع الحرص علیه.
قال الله تعالی: «فان خفتم ألا تعدلوا فواحدة» [3] .

«و لن تستطیعوا أن تعدلوا بین النساء و لو حرصتم» [4] .

و اشترط علی الأزواج القدرة علی تكالیف الحیاة الزوجیة و التسویة فی السكن و الرزق بینهم و بین الزوجات.

«.. أسكنوهن من حیث سكنتم من وجدكم» [5] .

«.. و علی المولود له رزقهن و كسوتهن بالمعروف» [6] .

و لا یسقط عن الزوج واجب الاحسان فی المعاملة سواء اتصلت بینه و بین حلیلته آصرة الزواج أو انتهت بینهما هذه الآصرة الی الفراق یغیر رجعة:

«الطلاق مرتان فامساك بمعروف أو تسریح باحسان و لا یحل لكم أن تأخذوا مما آتیتموهن شیئا الا أن یخافا ألا یقیما حدود الله» [7] .

بل لا یسقط عنه هذا الواجب حتی فی حالة الطلاق بعد زواج لم تنعقد فیه الصلة بین الزوجین: «یا أیها الذین آمنوا اذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم علیهن من عدة تعتدونها فمتعوهن و سرحوهن سراحا جمیلا» [8] .

و قد یقول قائل: ألیس الأمثل هو الزواج المفرد؟ نقول مع الامام أبی زهرة رحمه الله: ان ذلك بلا شك هو الاولی و الأجدر و الأحسن توفیقا، و لكن أمثل الزواج انما یكون لأمثل الرجال، و أمثل الرجال دائما عدد قلیل، و ان هذه
الشریعة جاءت للأحمر و الأسود و الأبیض، و للذین تتحكم فیهم شهواتهم، و الذین یعتدلون و تحكمهم عقولهم، و هی علاج لكل هذه النفوس، و ان الذین تتحكم فیهم شهواتهم لو أغلق علیهم باب التعدد لفتحوا لأنفسهم باب الحرام اذا كان التعدد فی ذاته مصیبا، فحلال معیب خیر من حرام لا شك فیه.


[1] العقاد: السابق، ص 177.

[2] العقاد: السابق، ص 177، كتاب الزواج الأمثل Bono Conjugali.

[3] سورة النساء، الآية 3.

[4] سورة النساء، الآية 129.

[5] سورة الطلاق، الآية 6.

[6] سورة البقرة، الآية 233.

[7] سورة البقرة، الآية 229.

[8] سورة الاحزاب، الآية 49.